لا حديث في الساحة السياسية ببلادنا إلا عن قصة الحرب الشهيرة التي
اندلعت أخيرا وعلى حين غرة بين رئيس حكومتنا "الزاهد" عبد الإله بن كيران
والملياردير الشهير وزير فلاحتنا عزيز أخنوش، والسبب 55 مليار درهم، قيمة
الأموال المرصودة في صندوق تنمية العالم القروي، وهو بالمناسبة مشروع ملكي لفك العزلة عن العالم القروي..
علاش هاذ الصداع؟إذا كان الهدف هو إيجاد الحلول لإخواننا وأبنائنا
القابعين في الفيافي والبوادي البعيدة بدون ماء ولا كهرباء ولا طرق معبدة
والموجودين تحت رحمة الظروف الطبيعية القاسية، وهو مشروع ملكي مفروض على
الفريق الحكومي أن يتدبره بروح وطنية عالية بعيدا عن الحسابات الأخرى، ما
دام المبلغ الضخم المرصود لكل هذا لن يتسرب إلى جيوب المتصارعين، خصوصا وأن
سمعتيهما ومكانتيهما بعيدتان كل البعد عن أي شك، فالسي بن كيران معروف عنه
أنه نظيف اليد، زاهد وقنوع، وهذا بشهادة من يعرفه ومن لا يعرفه، والسي
أخنوش أيضا نظيف اليد، وملياردير شهير ورجل أعمال ناجح وله من الأموال ما
شفع له أن يزاول مهامه الحكومية من ماله الخاص أو بالأحرى من مجموعته
الشهيرة "أكوا" أي إنه يتقاضى من خزينة الدولة صفر درهم.. وهذا يعرفه القاصي والداني..
أين الإشكال إذن؟ وكيف سقط السم في صحن العسل الذي جمع أكثر من مرة السي عبد الإله بالسي عزيز؟ رئيس
حكومتنا يعتبر نفسه أنه تم (استغفاله)، مع كامل احترامي لمنطوق الكلمة،
ليتم فرض أخنوش ليتحكم في صندوق دعم العالم القروي.. ولم يتقبل أن يتصرف
وزير في حكومة هو رئيسها في مبلغ ضخم كهذا دون تفويض منه.. بل هناك من فريق
حزبه من اعتبر العملية برمتها غير دستورية وغير قانونية ويجب التحرك في
هذا الاتجاه..
ووزير فلاحتنا استشاط غضبا من بن كيران ورفض أن يتم تأويل
إشرافه وتصرفه في صندوق دعم العالم القروي بطرق أخرى، بل وهدد بتقديم
استقالته في المجلس الحكومي الأخير إن كانت الثقة ستنعدم بينه وبين رئيس
حكومته.. بل مصادر أخرى ذهبت بعيدا وقالت كيف لرئيس الحكومة أن يفقد ثقته
في واحد من أكثر الوزراء قربا من الملك.. خصوصا وأن المشروع، في عمقه،
مبادرة ملكية ويجب إنجاحها بكل الطرق، لأنها تحمل بصمة المنفعة العامة..
والشق الأخير من الكلام هو نفسه الذي تلفظ به وزير المالية السي بوسعيد في
ندوة الجمعة الماضية..
هذه الحرب التي انطلقت أوزارها فجأة داخل المجلس
الحكومي وأصبحت تهدد أغلبية بن كيران بجدية كبرى، وغضب رئيس الحكومة وتصعيد
وزيره في الفلاحة،، يمكن أن تُقرأ من زاوية أخرى.. بن كيران رجل
انتخابي بامتياز.. والانتخابات الأخيرة بوأته مكانة رفيعة لتسيير المدن
الكبرى والمتوسطة.. لكنها أظهرت أن له ضعفا كبيرا في اقتحام المجال القروي
وعالم البوادي.. لذلك وجدها فرصة مواتية لإيجاد موطئ قدم في هذا العالم
المنسي، لولا المبادرة الملكية،
فخمسة وخمسون مليار درهم وطرق تسييرها كافية ليقتحم حزبه مجال الجبال
والمداشر والدواوير، وفرصة مواتية لاستمالة ناخبين جدد، سواء في الانتخابات
القادمة أو تلك التي ستليها...
وأخنوش مقاول ناجح ويخضع الممارسة
السياسية لمنطق التدبير المقاولاتي، فإشرافه على ميزانية صندوق تنمية
العالم القروي باعتباره وزيرا للفلاحة مناسبة مواتية ليجد نفسه في وضع
اعتباري أحسن بعد انتخابات 2016.. خصوصا أن الملياردير الشهير يحظى بشعبية
واحترام من مختلف الأطياف السياسية... إذن الصراع، وإن كان في شكله حول
من له حق تدبير المنفعة العامة، لكن في عمقه هو صراع انتخابي بامتياز..
وهنا الإشكال الكبير.. وما نخشاه هو أن تضيع مبادرة ملكية راقية في صراعات
هامشية والخاسر الأكبر آنذاك هو الوطن..
كان على الجميع أن يفهم المعنى
العميق لمضامين الخطاب الملكي، وينصهر في ترجمتها إلى أرض الواقع.. وأنا
هنا أميل إلى طرح تشكيل لجنة وزارية للإشراف على المبادرات الملكية..
فالمصلحة العامة فوق كل اعتبار.. لأن الوطن ثابت والأشخاص زائلون.. إن كان
الوطن فعلا في القلب والعين..